القائمة الرئيسية

الصفحات

 





بقلم : يحيى الشريف

  قيل لحكيم : ما أفضل ما يسمو به المرء؟

فأجاب :  - أدبٌ يسمو به ذكره.  

قيل : فإن عدمه؟ 

فقال: عقلٌ يعيش به و يعلو قدره.

قيل: فإن عدِم العقل؟ 

فقال: مالٌ يستره. 

قيل: فإن عدِم المال؟ 

فقال الحكيم: فصاعقةٌ تُحرِقه، و تُريح الناس من شرِّه!! 


  و في ذات السِّياق قد يتساءل البعض عن أفضل ما يحتاج إليه الإنسان، ليحقِّق الرفعة و السُّموِّ، هل هو: العلم، النَّسب، المال، الدِّين، الأخلاق؟ 


   و الحقيقة أنَّ كلَّ ما ذُكِر ضمن هذا التساؤل ضروري لتحقيق حياةٍ إنسانيَّة كريمة سامية تليق بمقام التكريم الإلهي للإنسان فرداً و مجتمعاً، باستثناء (النَّسَبِ)؛ فلنحذف النّسب من بين الأمور الوارد ذكرها؛ إذ أنَّ  من يفتخر و يغترّ بنسبه، أو يتعالي به على الآخرين زاعماً أنَّ في ذلك رفعته و سؤدده، فإنَّ ذلك علامة انحطاطه و دليل فراغه من كلِّ دواعي المجد و السُّموِّ!!


   و لننظر إلى (الدِّين) في المقام الأول باعتباره  الأساس المتين لاستقامة الحياة و صلاح أمورها و السموِّ بواقع الإنسان. و نقصد بالدين دين الله  القيِّم بعيداً عن آفات الطائفية المقيتة و أهواء الذين فرَّقوا دينهم و صاروا شِيعاً. فالدِّين القيِّم بما يتولَّد عنه من التزام أخلاقي و عمل صالح و سلوك قويم  مبعثه إيمان راسخ بالله الواحد و مُحرِّكه تقوى الله الدافعة إلى سويَّة النّهج و إحسان العمل - هو ما يؤدِّي إلى تحقيق سموِّ النجاح و الفلاح الدنيويِّ قبل الفوز بسعادة الخلود الأخروي، و من خلاله يبرز المعيار الحقيقي للتفاضل و التمايُز بين الناس. 


   و الأخلاق الحميدة جزءٌ لا يتجزَّأ من المنظومة المتكاملة لدين الإسلام. كما أنَّ أهمية العلم و المال لا تؤتي الثمار المرجوَّة في تنمية الحياة و الارتقاء بواقع الإنسان دونما تهذيب و ترشيد ضمن هذه المنظومة لدين الله بما تتضمَّنه من تعاليم و توجيهات إلهية.   

  و لا يمكن الاستغناء عن العلم و المال كليهما في سبيل تحقيق التنمية المتكاملة للمجتمع المسلم؛ فالعلم عماد التَّطوّر، و المال عصب الحياة، و هما دعامتان أساسيّتان لبناء الحضارات، يقول الشاعر:

بالعلمِ و المالِ يبني النَّاسُ مُلكُهمُ ** لم يُبنَ ملكٌ على جهلٍ و إقلالِ


  و تبرز مكارم الأخلاق باعتبارها محور الدِّين القيِّم و كونها الموجِّه الرشيد للانتفاع بكلٍّ من العلم و المال نحو تحقيق الغاية السَّامية من استخلاف الله للإنسان في الأرض، و ما أروع قول حافظ إبراهيم في هذا السِّياق: 


فإذا رُزِقْتَ خليقةً محمودةً** فقد اصطفاكَ مُقسِّمُ الأرزاقِ

و الناسُ هذا حظُّهُ مالٌ و ذاْ علمٌ ** و ذاكَ مكارمُ الأخلاقِ 

و المالُ إنْ لم تدَّخرْهُ مُحصَّناً ** بالعلمِ كانَ نهايةَ الإملاقِ 

و العلمُ إنْ لم تكتنفْهُ شمائلٌ ** تُعليهِ كانَ مطيَّةَ الإخفاقِ 


    و ما أسوأَ ثراء المال في ظلِّ فقر الدِّينَ و غياب العلم و تلاشي الخُلُق الحميد! أمَّا حين تلتقي أطماع وفرة المال مع نزعة التفاخر بالنسب أو العرق أو التباهي العاطل بأمجاد الآباء و الأجداد... ؛ فيا لقبح ما يتولَّد عن هذا التعاضد البائس من تضاعف الغرور، و ما ينتج عنه من رذائل البغي و الشُّرور!!  


  و العاقل من يعمل على السُّموِّ بواقع حياته، و يسعى نحو الرقيِّ بذاته، و لا يتوانى في سبيل إغناء فعاليته الإيجابية للإسهام في ارتقاء مجتمعه و إسعاد من حوله؛ لا أن يتفاخر بآبائه و أجداده، و ذلك ما يُوجِّه إليه الشاعر بقوله : 


كنِ ابنَ مَنْ شئْتَ و اكتسبْ أدباً ** يُغنيكَ محمودُه عنِ النَّسَبِ 

إنْ الفتى مَنْ يقولُ هأنذا ** ليس الفتى مَنْ قالَ كانَ أبِي  


   و أختم القول بأبيات من إحدى قصائدي، و هي تقول في ذات السِّياق: 


لا ينالُ المجدَ إلَّا دائبٌ 

سائرٌ في دربِهِ دونَ كَللْ 


باذلاً نحوَ المعالي جُهدَهُ 

و بإسفافٍ أمورٍ ما انشغلْ  


مَنْ يَقُلْ أصلي، و هذا نَسبِي 

فَلعَمري، إنَّهُ طَبْلٌ طَبَلْ! 

   

تعليقات