سلامًا على تعزِ وجامعةِ حبيلِ سلمان
سلامًا على قاعات العلم والاختبارات، وعلى دفاترٍ احتفظت بالأسئلة وأحلام التخرج.
✍️ بقلم: بلقيس الكمبودي
سلامًا على اليمنِ بشتى محافظاتها المتشتتة، وسلامًا على من لا يزال يحمل في صدره ذرةَ أملٍ رغم الخراب. في كل صباحٍ، تتفتّح أمامي صورٌ من مدرسةٍ قديمةٍ، ومن شارعٍ مهجورٍ، ومن قاعةٍ جامعيةٍ تفوحُ منها رائحةُ الدرسِ والتعبِ والأمل.
سلامًا على تعز، وبكل ما فيها من دمارٍ وتشتّتٍ وأمانٍ مفقود. وسلامًا على جامعةِ حبيلِ سلمان، تلك التي تبقى من بين الجامعاتِ المنطفئة كنجمةٍ صغيرةٍ لا تزال تُضيءُ سماءَ المدينةِ بالعلمِ والمعرفةِ.
سلامًا على كليةِ العلومِ التطبيقية، التي أزهرت في داخلي شغفًا لا ينطفئ؛ تراودني صباحًا لأحتضنها بكل ما فيّ من حنينٍ وفضولٍ. وسلامًا على قسمِ الميكروبيولوجي التطبيقي الطبي، ذاك العالمُ الصغيرُ الذي يفتح لنا نوافذَ نحو أسرارِ الحياةِ والشفاء.
سلامًا على قاعتي 201 و202، اللتين احتوانا كلَّ يومٍ بصبرٍ رغم تعبنا وتيهنا. بهما تعلّمنا كيف نواجهُ صعوبةَ الدروسِ وكيف نصنعُ من الإرهاقِ عزيمةً جديدةً.
سلامًا على الجهازِ "الديتاشو" الذي لطالما تذمرنا من ضوءه الساطع، لكنه كان سبيلَنا لفهمِ العالمِ والتطورِ من حولنا. وسلامًا على الرداءِ الأبيض — "اللاب كوت" — الذي نحمله بفخرٍ ووجلٍ معًا، رمزًا للمسؤوليةِ والنقاءِ والالتزام.
سلامًا على المعملِ والمختبرِ، على بنشاته التي انحنى فوقها حلمُنا الصغير. هناك زرعنا أملاً في كلّ طبقٍ فحصناه، وفي كل تجربةٍ حملت بين قطراتِها سرّ إنقاذٍ محتملٍ للبشرية.
سلامًا على المجهرِ والشريحةِ، اللذين رافقانا في رحلةِ الاكتشافِ لسنوات. وسلامًا على العيناتِ والصبغاتِ التي انسكبت فوق الطاولاتِ والمغاسل ونحنُ نختبرُ فعاليتَها، على الفطرياتِ والفيروساتِ والمياهِ، وكلّ تفاصيلِ عالمٍ صغيرٍ لا يراهُ أحدٌ غيرنا.
سلامًا علينا نحنُ الذين ندرسُ لنفهم، ونكتشفُ لنحمي، ونبحثُ لنُبقي الأملَ حيًّا. نحنُ الذين بأيدينا علمٌ يبني العالمَ وسلاحٌ قد يهدمُه، فاخترنا البناءَ رغم كلّ ما حولنا من هدمٍ.
سلامًا على أحدَ عشرَ كوكبًا وثمانيةٍ وعشرينَ قمرًا منيرًا بها؛ رموزًا لأحلامٍ كبرى وأرواحٍ علميةٍ لا تخبو. تحيّةٌ لكل زميلٍ شاركنا رحلةَ البحثِ والمعرفة، ولكل أستاذٍ منحنا من نوره قبسًا، ولكلّ قاعةٍ حملت صدى خطواتِنا المفعمةِ بالطموح.
خاطرةٌ تهديها الكاتبة بلقيس الكمبودي إلى تعز وجامعتها، وإلى كلّ من آمن أن التعليمَ هو طريقُ النجاة وسط الفوضى.