القائمة الرئيسية

الصفحات





بقلم : تواقة لرؤية خالقها


رسائلٌ مبعثرةُ الكلمات ، يخيم عليها التهديد والوعيد ، لها صوت كصوت طلاقات الرصاص حيناً ، وحيناً آخرا لها ضحكة مشبوبة بريح صرصر عاتية ، كل طرقات الشجاعة أصابها غليان الجمود .


 -" انتبهي أنا أراقبكِ ، أنا أراكِ ، أعلم أنكِ خائفة ، وسيأتي اليوم الذي أمسك بكِ ، قريبا سنلتقي ، أرقبك أينما كنتِ " 


- سيلٌ من الخوف ينسكبُ على وجنتيّ أغرق فيه حتى أوشكت على الهلاك ، وحوارات ومناقشات تدور في رأسي ، ضجيجها يرتفع حتى كدت أجن .


- طيفٌ يتهيأ للجلوس مبدياً رأيه لبقية أعضاء التفكير قائلا  : " نخبر إخوتها أن هناك رسائل عابث يتجول في شوارع صنعاء لا يحكمه شيء ".


  - صرير الخوف بدأ بالعزف على أوتاره في كلماتٍ كلها دموية :" إن علموا إخوتها ستقوم القيامة ، فسوف يؤذيهم ويقتل أحدهم ، أو يقومون هم بقتله ، وهنا يقام عليهم حد القصاص" .


 - هنا انتفضت براكين الشجاعة مهزوزة الإرادة قليلاً قائلة : " عليها أن تحمل سكينا أو مسدسا وتستخدمه حين يهجم عليها ذاك اللعين المجهول " .


 - ضحكات هسترية تفرقعت من زاوية مظلمة كئيبة المشاعر : هراء ، ماذا تقولون ؟ أتقوى على حمل سكينًا أو مسدسًا ؟!

 - كم باتت من ليالٍ تفتح أبواب عينيها المثقلتين بالنوم خوفًا من سقوط أشرعتها ، أو كأنها أطراف خيمة مشدودة بحبالِ المتوجسِ من صرخةِ رصاصةٍ ، يتقيؤها سلاحٌ آليٌّ مخبأ في أحد رفوف دواليب الحجرة .


- طيفٌ مُنْزعجٌ لإطالة المسألة دون حلٍ يُطَمْئن .


- اشتدَّ الألم وبدا رأسي وكأنه بالوناً ينتظر إنفجاراً مروعاً .

- أشرقت الشمس وكل المخلوقات سعيدة تسبح في ملكوت الله ، قد بعثت لقلبي بعض الاطمئنان ، فسرتُ بخطواتٍ سريعةٍ متوجهةٍ إلى عملي كما هو حال جميع الأيام ، أستقبل فيها زهرات الحياة ( طلابي ) بوجهٍ آخر مليئًا بالحب والشوق لرؤيتهم ، أصافح كل بسمة عرفت طريقها إلى محياي بقبلةٍ تفوح منها مسك الأمومة ، نعيش لحظات سعيدة معًا ، وعند الفراق تتعانق الأرواح كما بدأت في صباحها ، وأخرج من باب تلك المدرسة بحذرٍ شديدٍ ، أرقب كل شيء من حولي لعل هناك شخص لديه ( أسيد ) يلقي به على وجهي كما أخبرني برسائله قبيل أيام سحقت ، أوسيارة تسحبني إلى الداخل ، فأذهب إلى مكان لا بشر فيه ولا مأوى ، خطواتي تزداد أريد أن أتخطى الخط الأحمر لأصل إلى حدود بيتنا ، نجحت بالوصول أخيرا دون أن يصبني بشيء ، وهكذا مرت أيام وشهور .


- رسائل التهديدات ورنين الجوال لا يتوقف عن إصدار ضجة يتبعثر معها كل أجزاء كينونتي ، ولكن لابد من الشجاعة و مواجهة مخاوفي ، هو يريد سجني ، نعم يريد سجني .

- لا لن أسجن في أربع أركان  سأخرج .


- وفي صباح إحدى الأيام كنت أسير مع زميلتي في العمل وابنتها الصغيرة ذاهبات إلى المدرسة كعادتنا ، نتحدث ونضحك بأمان الله ، فُجئت بذراعين ككماش الصيد تمسكني من خلفي ، أحكم قبضته فلم أعد أستطيع الحراك .

- لم تنتبه عيناي بأن الفتاة الصغيرة هربت من منظر الرجل الملثم ، ولكن رأيتُ يدَ ذاك الرجل وهو يخرج قنبلة من جيبه ، يفتحها مهددًا بأن أسير معه بدون أي صوت ، أثناء ذلك هربت زميلتي وقد شخصت عيناها ولفّ لسان صوتها متدحرجاً إلى أعماق قلبها طالبة العون من الناس وقد فك رتق لسانها صارخة : ( خطفها .. خطفها ) وبدأت حلبة مخاوفي تكشر أنيابها في وجهي ، وليس لي إلا حلان : 

أحدهما :  الاستسلام والانصياع لأوامره حتى لا يؤذيني .

الآخر : أن أموت وأسقط أرضًا لترفع جباه أهلي .

- بدأت يداه تخرج تلك القنبلة التي رأتها زميلتي وولت هاربة ؛ ليعطي أول أمرٍ ( هيا تحركي وإلا نموت سويا ) .

- لا ،  لن أذهب معك أبدا .

- أخذ يجرني بقوة ، وأستعصي عليه بقولي : لن أذهب معك ولو مت هنا .

- هيا تحركي بسرعة .

- لا .. لا .. أتركني 

- كانت زميلتي تخبر جميع الدكاكين والمحلات بأن ( ..فلانة.. ) قد خطفت وتصرخ ؛ ليتوافد  الناس كما يتوافدون على ذبيحة ذبحت .


- رأى الخاطف أني لن أذهب معه رغم وجود قنبلة قد فتح قفلها .

- أخذ سلاحه ( مسدسا ) و ألصقه على رأسي ويقول بصوت غاضب : تحركي .

- لن أذهب معك ( كنت أخاف رؤية السلاح بأشكاله فكيف بوجوده فوق رأسي ؟ ) لا أدري تلاشت مخاوفي عند التقائي بها .

- قرر بغضبٍ أن يطلق رصاصة عليّ وقد فعل ووصلت عند أطراف أقدامي ، ولكني لم أسمعها لماذا ؟ لا أدري وكأنها تلاشت في رحاب الفضاء ، وتلاحقة صرخات تترا ،  لم يهتز لها كياني ، فقد قررت أن أموت لذلك لا أشعر بصوتها مطلقا .


- سمع الناس صرخات الرصاص ، فتجمعوا وسط الشارع العام وهو ممسكا بي كمجرمة حان وقت تنفيذ الحكم عليها أمام مرأى أعين الناس ، مخبرا إياهم  إذا تحرك أحدكم سأقتله .

- لا أعلم ولكن مددت يديّ إليهم لعلهم ينقذوني من ذاك الرجل ( أنقذوني .. أنقذوني ) توقفت نظرات عينيّ إليهم متفاجأة بخذلان كخذلان الهنود في أفلامهم ، فلقد علمت أنهم يخافون صرخات الرصاص كما أخافُها أنا تماما .

تقدم أحدهم ، انهالت عليه صرخات الرصاص في الهواء ، تراجع وتقدم شخص آخر أكثر شجاعة من ناحية ليمسكه ، ولكن صرخة الرصاص كانت متنبهة لتحركه المفاجئ ، فأحس هو  بإهانة رجولته ، فذهب ليأتي بسلاحه ؛ لكي تُسْكِتَ صرخة رصاصته رصاصة باغية .

- مازالت طلاقات الرصاص تعلو في الفضاء مهاجمة حشود الناس .

- قام الخاطف بضربي بالسلاح لعلي أفقد الوعي ويهرب بي في سيارة منتظرة ومختفية عن الأنظار ،  لما أشعر بتلك الضربات على رأسي لا أعلم كيف ولماذا إلى حد الآن ! 


- يأتي ذاك الرجل الذي أحس بإهانة رجولته من صرخة رصاصة عابثة ، حاملا معه سلاحا يرفعه وبدأت فتحة فيه أن تفتح بصرخة رصاصة أمام الخاطف .

- أحس الخاطف بقوة وعزيمة حامل السلاح فتراجع وأفلتني واختفى سريعا ، أسرع الجميع باللحاق به ولكن لم يجدوه .

كان من حولي يسألني : هل أنتِ بخير ، تكرر السؤال ولكن لم أكن أشعر بشيء وكأنني أشاهد فيلماً قد انتهى .


هذه اللحظات الساكنة التي تمر من حولي كمسرحية صامتة الكلمة .. جادة في التعليم .. علمتني أن الإرادة القوية تكسر حواجز المخاوف .. تجعل كل ضوضاء وضجيج الحياة سكونا هادئا يملئ النفس قناعة بما كتبه الله .. والخوف ليس في الابتلاء بل في عدم تقبل ذاك الابتلاء .. فهذا بحد ذاته موتًا بطيئًا و مؤلمًا لصاحبه .. القوة ليست في الجسم ولا إكتمال العقل ولا في المال ولا العلم ولا ..ولا .. القوة تكون في قوة العزيمة والإرادة للتغلب على مخاوفنا .. فليس هناك أردى من خلق (الجبن ) .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قصص ملهمة لرائعين تغلبوا على بؤس الحياة بكثير من الصبر و الإيمان  

تعليقات