تأليف : البروفسير جون ميرشيمر
إعداد/ عبدالحميد عبدالله النمري
تدقيق : يحيى الشَّريف
المُقدَّمة:
(لماذا يكذب القادة) كتاب سياسي، من تأليف البروفيسور جون جي ميرشيمر استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وهو أبرز الباحثين الأمريكيين في السياسة الخارجية. و قد جاء الكتاب في 186 صفحة من ترجمة
أ.د غانم النجار ضمن سلسلة عالم المعرفة، عدد شهر ديسمبر ٢٠١٦م، و التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت.
و يتناول المؤلِّف في هذا الكتاب موضوعاً سياسياً مثيراً لم يُعنَ به الباحثون، وهو كذب القادة السياسيين، و يهدف الكاتب من خلاله إلي رصد ظاهرة الكذب و تحليلها في إطار العلاقات الدولية. و قد ركِّز المؤلف في أمثلته للكذب السياسي بشكل أساسي على الولايات المتحدة دون إغفال بعض التجارب التاريخية الأخرى لدول الغرب، و لا ينسي في هذا السياق الإشارة إلى كذب قادة إسرائيل لتبرير احتلالها لفلسطين.
وفي توطئة المؤلِّف لكتابه يكشف عن قصة البداية التي تولَّد من خلالها فكرة الكتاب و الدافع للاهتمام بموضوعه؛ و ذلك من خلال مناقشة مثمرة عبر الهاتف مع (سيرج شميمان) الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، و الذي اتَّصل بالمؤلف في ربيع عام ٢٠٠٣م مستطلعاً ما لديه من أفكار و مقترحات عن موضوع الكذب في السياسة الدولية، كونه يعمل على الإعداد لهذا الموضوع لنشره في الجريدة.
جاء الكتاب في مُقدَّمة وثمانية فصول وخلاصة. و قد افتتح المؤلَّف مقدَّمته للكتاب بالحديث عن واحدة من أبرز أكاذيب القادة في أمريكا؛ حين عمل القادة الأمريكان في حكومة الرئيس بوش قبل 19 مارس عام 2003م على الدفع نحو غزو العراق و الإطاحة بالرئيس صدام حسين، من منطلق مزاعمهم بالتأكُّد من امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل؛ لتتجلَّى الأحداث فيما بعدُ عن عدم صحَّة ما زعموه، و عندئذٍ أخذوا في تبرير خطئهم بمبررات واهية!
و يميِّز المؤلَِّف بين نوعين من أكاذيب القادة؛ الكذب الذي يكون بدافع الحفاظ على المصلحة الوطنية في ظلِّ التقلُّبات السياسية مع الغير، و هو ما يُطلق عليه (الكذب الاستراتيجي)، و الكدب الذي يكون بدافع شخصي مصلحي (أناني)، مُبيِّناً أن اهتمامه في هذا الكتاب ينصبُّ على النوع الأول، و هو الأكاذيب الاستراتيجية. و يرى أن الكذب رغم كونه عملاً مشيناً في الحياة العادية إلَّا أنه يبقى سلوكاً مقبولاً في السياسة الدولية؛ و ذلك لوجود مبررات استراتيجية في بعض الحالات تدفع القادة للكذب على الدول الأخرى او على شعوبهم موضحاً أن القادة يكذبون على الدول الأخرى في حالات معينة، و لكن أقلُّ بكثير ممَّا يكذبون على شعوبهم؛ إذ يبدو له أن القادة أكثر ميلاً للكذب على شعوبهم فيما يتعلَّق بالشؤون الخارجية و لاسيَّما في البلدان الديمقراطية، أمَّا الكذب في الشؤون الداخلية فإنَّه لا يُعدُّ أمراً سائداً أو مقبولاً مع مثل هذه الشعوب.
تعريف الكذب
في الفصل الأول من الكتاب: يبدأ المؤلَِّف بتعريف الكذب موضحاً أن الخداع هو الحاوية الرئيسة للكذب، وأن الكذب والتلفيق وإخفاء المعلومات هي كلُّها من أنواع الخديعة، و الثلاثة جميعها مناقضة لقول الصدق.
قائمة الأكاذيب الدولية
وفي الفصل الثاني : يورد المؤلف قائمة بالأكاذيب الدولية ذاكراً ستَّة أنواع من الأكاذيب التي يختلقها القادة في مضمار السياسة، وهي :
1ـ إثارة الذعر
2ـ صناعة الاساطير القومية
3ـ التغطيات الاستراتيجية
4ـ الأكاذيب الليبرالية
5 ـ الإمبريالية الاجتماعية
6 ـ التغطيات الشنيعة.
و يتمحور نقاش المؤلَّف في الفصول التالية حول الأنواع الأربعة الأولي كون الهدف من كلِّ نوع منها يدخل ضمن ما سمَّاه بالكذب الاستراتيجي، و يتجاهل النوعين الأخيرين على اعتبار أن الهدف منهما لا يخدم المصلحة الوطنية العامة.
الكذب بين الدول
يناقش الكاتب في الفصل الثالث بعض الأسباب التي يخلص من خلالها إلى التقليل من حالات كذب الدول بعضها على بعض معتبراً الكذب بين الدول أمراً غير اعتيادي قياساً على أكاذيب القادة الموجَّهة لشعوبهم ... ثمَّ يورد لنا أبرز الأشكال التي يتَّخذها كذب الدول على بعضها، و منها:
- مبالغة القادة في تصوير قدرات دولهم بقصد ردع العدو.
- كذب القائد للتقليل من قدرات جيشه الحربية تحاشياً لاستفزاز الدولة الأخري.
- إخفاء الزعماء نواياهم العدوانية تجاه دولة ما بغرض التمويه.
- التهديد الوهمي لدولة أخري بالهجوم عليها بقصد إخضاعها و إجبارها على القيام بشيء ما.
ـ محاولة الزعماء التضليل لتسهيل عملية التجسس او التخريب في وقت السلم.
- مبالغة الدول في تضخيم وضعها العسكري اثناء تجهيزها للحرب.
- كذب القادة للخروج بأفضل النتائج أثناء التفاوض.
إثارة الذعر
و يتناول في الفصل الرابع : إثارة الذعر
و هو ذلك النوع من الكذب الذي يهدف من خلاله القادة إلى إثارة حالة خوف غير موجودة لدى الشعب تجاه خطر موجود أو مُحتمَل من خلال المبالغة في تضخيم هذا الخطر.
⑤ وفي الفصل الخامس: تحدًث المؤلٍّف عن *التغطيات الاستراتيجية* و ذلك حين يرى القادة أن المصلحة الوطنية تقتضي إخفاء سياسات فاشلة خصوصاً في أوقات الحرب للحفاظ على الروح المعنوية و حتّى لا تبدو نقاط الضعف للعدو، أو إخفاء سياسات مثيرة للجدل يرى القادة أنها ذات فائدة لكنَّها لن تحظى بتأييد شعبي.
الأساطير القومية
و في الفصل السادس يتحدَّث المؤلِّف عن الأساطير القومية: و ذلك حين تعمد الدول الناشئة إلى صياغة أساطير قومية شوفينية بما تتضمَّنه من تقديس للذات، و تنقية الماضي من الأخطاء، و تشويه للآخر. و تهدف هذه الأساطير إلى اكتساب هذه الدولة لشرعية قيامها أمام الدول الأخرى، أو تعزيز الشعور بالهوية و تعضيد التضامن المجتمعي.
الأكاذيب الليبرالية
و في الفصل السابع: تحدَّث المؤلف عن الأكاذيب الليبرالية:
وهي تلك الأكاذيب التي يهدف من خلالها القادة إلى تغطية أو تبرير سلوكيات دولهم الفظيعة المخالفة للأعراف الليبرالية و القانون الدولي.
الجانب السلبي للأكاذيب
وفي الفصل الثامن والأخير يتطرَّق إلى الجانب السلبي للأكاذيب الدولية مبيِّناً أنَّ الكذب المتكرِّر في السياسة الدولية يخلق ثقافة تضليل مسمومة،. و يؤدِّي إلى أضرار خطيرة و عميقة؛ فالكذب الصريح في قضايا السياسة الخارجية من شأنه أن يتسرَّب إلى مسرح الأحداث المحلي، و يسبِّب مشاكل كثيرة بشرعنته لعدم الأمانة في الحياة اليومية. و يرى المؤلِّف ان النتائج السلبية لانتشار الكذب تكون أشدَّ وطأة على الأنظمة الديمقراطية.
وفي خلاصة كتابه
يؤكِّد المؤلِّف على أنََّ الكذب مع كونه مُداناً باعتباره سلوكاً مُشيناً و مرفوضاً، إلَّا أن القادة يرونه ضرورياً في إدارة شؤون الدولة، بل من الواجب استخدامه في ظروف متنوعة. و هم يكذبون على الدول الأخرى أو على شعوبهم بدافع تحقيق المصلحة لبلدانهم، و قد يكونون على صواب في بعض الأحيان خصوصاً في زمن الحرب إذا أتت خديعتهم بمنافع استراتيجية. و في أحيان أخرى يكذب القادة لاقتناعهم بوجود أسباب منطقية من شأنها أن تدفع عن شعوبهم مغبَّة الدخول في أزمة أو مواجهة عسكرية. لكنَّ مثل هذا الكذب لا يحقِّق أهدافه دائماً خصوصاً مع الدول الأخرى ناهيك عمَّا قد يترتَّب على أكاذيب القادة الاستراتيجية من إضرار بالمصلحة الوطنية حين يؤول مردودها إلى نتائج عكسية.
مميّزات الكتاب:
1ـ ما بميِّز الكتاب أن أسلوب الكاتب سلس وخالٍ من التعقيد في المصطلحات والمفاهيم حرصاً منه على تبسيط المعلومات للقارئ العادي وإيصال محتوى الكتاب إلى أكبر شريحة من القرَّاء.
2- يفتح الكتاب الباب لدراسات أخرى حول الكذب السياسي و أدبيَّاته و نظرياته الدولية و تأثيراته على الشعوب وعلاقات الدول علاوة علي دوره الخفي في تشكيل ملامح السياسة الدولية ولاسيَّما في ظلِّ هيمنة الولايات المتحدة على مسرح السياسة العالمية.
3- يثير الكتاب الانتباه إلى ضرورة إعادة النظر في كثير من الأحداث التاريخية، وقراءتها من جديد، بالكشف عمَّا قد يكمن وراءها من أكاذيب سياسية.
4- استعان الكاتب بعدد من الباحثين والكتَّاب و النخب السياسية و الإعلاميين للاستفادة من أفكارهم و مقترحاتهم في مثل هذا الموضوع الجديد و المثير.
و من المآخذ على هذا الكتاب :
1ـ يكاد يخرج القارئ بعد قراءته للكتاب بانطباع عن مشروعية الكذب في إدارة شؤون الدول و سياسات القادة خصوصاً مع عدم وجود حدود واضحة و دقيقة للحالات الاستثنائية التي يمكن من خلالها تبرير الكذب السياسي باعتباره كذباً استراتيجياً لتحقيق المصلحة الوطنية.
2- عدم اهتمام الكاتب اثناء حديثه عن الكذب وانواعه وأسبابة ودوافعه بإبراز هذه الأقسام والأنواع على شكل عناصر واضحة أو خرائط ذهنية تساعد القارئ على الاستعاب.
تمَّ بحمد الله.
تعليقات
إرسال تعليق