✍🏻خاطرة/ بلقيس الكمبودي.
سلام الله عليكم يا أهل السلام، و قبل ذلك أقول لكم ليحيا السلام.
أنا ابنة العشرينات ذات الكاهل الستّيني، و ذات المشاعر المتهالكة المستعملة المهترئة، في وطن لا يحتمل أيّ تزايـدٍ في عددِ الأطفالِ، و الضياع لعمر الشباب، و تهشيم صورة الأباء أكثر مماقد تهشمت.
نجتمع في صورةٍ واحدةٍ مُتآكلةٍ و ناقصةٍ من كُل علامات الحياة ومقومات العيش، وحتى أن الصورة نفسها تحاول مرارًا أن تتنهد لترثي حال ساكنيّ هذا الوطن، لتخفف عنهم المعاناة التي يمرون بها و التي أصبحت واجباً عليهم.
أعلم أن أغلبكم يقول ماهذا الهراء!!
ألهذه لدرجة تتألمون!!
أم أنّ الوضع يروق لكم بظهور البؤس والمعاناة!! دقّق ياصاح على الصورة جيدًا، أنظر بقلبكَ هذة المرّة بكُل تركيز، أنظر إلى الزاوية حيث يقعد أطفالنا في أحضان أمهاتهم بلا حراكٍَ رغم إختلاف أعمارهم بين العام الواحد و العاشرة . دقّق النظر فيهم، حدد حركاتهم الغير واضحة، سوى شخوص أبصارهم ومعاناتهم الدائمة مع لحومهم المهترئة المتهالكة، التي تحاكي هياكلهم العظمية الرثّة الهشّـة .
كمية انسياب الدموع على خدودهم تعبر عن المأساة الحية، حتى أنّها حفرت مجاري فيها من كثرة انسيابها. تخيل أنها تزيد ألاف المرات عن كمية الماء الذي يستقونه في يومهم أو يغتسلون به لكي تبرد الحمّى قليلاً. لاحظ ابنة الأحد عشر عاما ، تلك التي تمشي وهي مقعدة على فراشها، لا تعبر من أمام ملامحها حتى ترى ملامح وجهها البريء وعيناها التي تشعان نورًا يملؤ المكان.
إنّكَ محظوظٌ لحصولكَ على خبزٍ دسمٍ تملؤه الحياة، بعكس لقيماتها اليابسة التي لا تترطب حتى مع الماء . سيتضح لكَ المنظر، أنظر هُناكَ في وسط الطريق حيث المسنّ الشارد وهو يقلب بصره تارة في السماءِ، و تارتين متتاليتين في أهله و بيته، ذاك الذي كسا معالم وجهه و جسده الجوع وكُل الحيرة في عينيه وهو يمسكُ كسرة خبزٍ ملونة بالأخضر على أطرافها، وهو لا يعلم من أشدّ جوعًا من أهله، يعطيها اليوم فيمدّ بها لإبنته لتشد عظمها بها حتى يدر حليبها لطفلها الرضيع المنهك.
هل نظرت!؟
هل رأيت!؟
بالله لا تبكِ الآن، دعنا نكمل بقية المكان .
أنظر هناك لتلكَ الحاوية الخضراء، في جانبها الأيمن توجد إمرإة طاعنة في السن تمد يدها فيها خلسة خوفًا أن يراها المارة وهي تنتشل بقايا فتات البيوت التي تم رميها منها، تمعن فيها دمعتها التي تنساب حياءً منّا بكُل خجل، إنّها تلتقط الخبز لتنسحب بشكل متسارعٍ لتمضي بها لمن تعول وهي تراقص يدها فرحًا.
دعنا نتجاهل نحنُ وكأننا لم نرَ أو نشاهد شيئاً، دعنا نغض بصرنا عنهم، ليس تكبرًا وأنما عجزٌ وخوف وعدم استطاعة.
لنعد لوسط المكان، إلى بوابة المستشفى هناكَ بالتحديد كرّس عينيك في مدخل المستشفى ومد رجليكَ لترى المار من الداخل.
نعم نعم!!
حيث أنتَ جوّل بنظركَ نظرة سريعة خاطفة، هل حددت مكان الميزان و مسطرة الطول وشريط قياس الساعد!؟
الآن مد بصركَ خلسةً و انظر في سجل سوء تغذية الأطفال ومتوسطي العمر، ناهيك عن كبار السن، لا تنهزم و أخرج من هنا شادّا ًرباط جأشك ومسح دمعتك لا وقت للبكاء الآن، امضِ في ممرات الانتظار، لكن امشِ بخطوات صغيرة و التفت مرة يمينًا ومرة يسارًا،
لماذا تسرع الخطى هكذا يا أنتَ!؟
قف هنا على شرفة النافذة لتتنفس، ثم أمسح الغبار عن زجاج النافذة وسترى جزءاً من مخيمٍ يسمى وطن.
في ذلك المخيم، هناك من يعيش بلا أدنى مقومات الحياة، تكسرهم النظرات و تجبرهم البسمة أن يصطنعوها، تصنعهم بقايانا و تقوّمهم جلُ أمانيهم، حلمهم رغيفُ خبزٍ و كأس ماء، أو فاكهة تمتدّ لهم بحب .
كان الله و الأيادي البيضاء معكم أينما كنتم، وكيفما كنتم. و سلام الله عليكم والطمأنية وكل الحياة والدعوات!!
تعليقات
إرسال تعليق