ثرثرة الروح
بقلم: شموخ كحلانية
أكره تلك الثرثرة التي تضجّ في رأسي، أكرهُ كلَّ ما يجعلني أبدو إنسانةً أخرى، منطويةً، تميلُ إلى العزلة والظلام. رفيقُ ظلامي دائمًا هو "روايةٌ" تلتهمُ الوقت بصمت، تجعلني أندمجُ في تفاصيلها وأهربُ من ضجيج الواقع الذي لا يرحم، ومن هذيان الأفكار التي لا تهدأ.
غريبةٌ هي النفس التي أسكنها، تتبدل كالفصول؛ مرةً مشرقةٌ بابتسامةٍ واهنةٍ، ومرةً أخرى ثقيلةٌ كقطعةِ خشبٍ تائهةٍ في البحر، تتشبثُ بموجةٍ علّها توصلها إلى شاطئ الأمان. تلك الروحُ التي كانت مشتعلةً، تخلّت عن وهجها في محطاتٍ كثيرةٍ من العمر، أرهقها الركود، وأتعبتها الأفكارُ العابثةُ التي تجرّها يمنةً ويسرةً.
كم من مرةٍ حاولت أن أجد لنفسي مرسى دافئًا، فوجدتُ أن الأمانَ لا يُمنح، بل يُزرع من الداخل. وأنّ كلّ تلك المحاولات للهروب ليست إلا شكلاً من أشكالِ النجاة المؤقتة. ففي الرواية أعيش حيواتٍ أخرى، وفي العزلة أتعلمُ الإصغاء لما لم أكن أسمعه من قبل.
هكذا أنا؛ روحٌ عابثةٌ وثرثارةٌ، تحملُ في داخلها وجعًا أنيقًا، وتقاومُ بالصمتِ كلَّ ما يودّ أن يهزمها. أحاورُ نفسي حين لا أجدُ من يصغي، وأكتبُ لأتخلّص من زحامٍ لا يُحتمل، لأُفرغ الحروف من وجعها قبل أن تخنقني.
في إمكانك أن تُغاظَ الحزنَ بالفرح، وأن تُربكَ الظلامَ بابتسامةٍ صغيرة، وأن تتحدثَ ولو مع الورق. فالكتابة ليست ترفًا، إنها طوقُ نجاةٍ خفيّ، يسمعُك حين يصمُّ العالم.
🌿 "اكتب لتخفف عنك لا لتقنع الآخرين، فالورق وحدهُ لا يُجادل" 🌿