خاطرة فكرية: اللغة والعقل في زمن التشتت
✒️ بقلم: عبدالهادي أبو المجد
لن أستجدي اللغة كي تسعفني، فقد أنهكتها السجائر مفرداتها. ولن أسترضي القلم ليخطَّ لي تلك العبارات، ولن أستعير من خيالي صورًا أرسم بها حقيقةً هي في ذاتها غنيةٌ عن التعريف.
للكتابةِ هذه المرة لونٌ آخر، وشكلٌ مختلف، وذوقٌ مغاير. سنلتقط الصور بعدسةِ العقل لا عدسةِ المشاعر، وسننقل الخبر من مدرسةِ الواقع لا من أحلامِ الرومانسية. سنُدوِّن ذلك في سجلِّ الحقيقة، ونشيِّد بناءه كلماتٍ صادقة، لنعيد للكلمة مكانتها في حياتنا كمجتمعٍ أدرك حجم التشويه الذي طالها.
“حين تضعفُ اللغة، يضعفُ معها الفكر، وحين يبهتُ العقل، تتلاشى الكلمة الصادقة من ميادين الوعي.”
لقد سقطت الكلمة في زمننا كما تسقط أوراق الخريف، وتاهت بين تسارع الأيام ونهايات عطلةٍ لا تنتهي. نرجو أن تستعيدَ عافيتها بعد ما لحق بها من تشوهاتٍ في جسدها، وانتكاساتٍ في روحها، ولكنَّ الرجاء لا يكفي دون فكرٍ صادقٍ وقلبٍ مبصر.
نحن بحاجةٍ إلى عقلٍ واعٍ، وفكرٍ متقد، وذهنٍ لا تنطفئ جذوته. نحتاج إلى عينٍ تبصر الأشياء من زاويةِ الواقع لا من هوى الرأي. لقد افتقدنا من يجرؤ على النظر أبعد من الاختلاف، من لا يخشى ما سيعقب قوله، ومن لا يتردد في أن يضع النقاط على الحروف — لا في بطونها.
“العقل الناضج لا يخاف من الحقيقة، واللغة الصادقة لا تهاب النقد.”
إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى من يُعيد ترتيب العلاقة بين الكلمة والفكر، بين اللغة والوعي. فليست اللغة وسيلةً للتجميل، بل جسرًا للتفهّم، وميدانًا لتصحيح البصائر، ومفتاحًا لتجديد الفكر في زمنٍ ازدحم فيه الضجيج وقلَّ فيه الصمت العاقل.