نـــــــــوح الشـــــاكر
قال : ابن القيم في مدارج السالكين منزلة الشكر ،فوق منزلة ( الرضا) وزيادة فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه ،وهو نصف الإيمان ،فالإيمان نصفه صبر ونصفه شكر ،
وأصل الشكر في اللغة الظهور ..
وهو ظهور اثر الغذاء على الدابة إذا أكلت الغذاء وسمنت وظهر عليها أثر العلف،فيقال دابة شكور . وهو أظهار النعمة من العبد .
وحقيقته في العبودية ،
ظهور اثر نعمة الله على لسان عبد ه ثنا واعترافا ،
وعلى قلبه ،شهودًا ومحبة،
وعلى جوارحه تنقيادًا وطاعة .
وقد وصف الله عز وجل عبده ورسوله نوح ،
انه كان عبدًا شكورًا قال :تعالى (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا )) ـــ الاسراء ــــ
فكا ن عبدا شكورًا، نبي الله نوح مصرحًا بنعمة الله عليه ومظهرًا لها .
وكان لا بد عليه لكي يكون شاكرًا، ان يكمل المرحلة ،
الاولى للشكر ،وهي مرحلة الصبر
كما قال :ابن القيم .
ثم تأتي مرحلة الإعتراف بالنعمة ،وإظهارها والعمل ،جزاء لها وهي مرحلة الشكر، وقدتجاوز المرحلة الأولى بنجاح، وهي مرحلة الصبر ،
حيث لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما،
صابرا على اذاهم ،ومحتسب للأجر، (( ولقد أرسلنا نوحا الى قومه فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون )) ـــ العنكبوت ـــ
وتحكي لنا سورة نوح وهي سورة كاملة ،
كيف انتهج أسلوب ، قوي ومتنوع في دعوتهم ،و اتسم أسلوبه بالصبر، والتنوع وإن طالت المدة ،ويوضح لنا ،كيف انتهت هذه الدعوة ،بأن اغرقهم الله جميعا بعد أن وفى معهم نوح دعوته .
وتحكي لنا سورة الشعراء كيف كان ينظر اليه قومه وكيف عاملوه ،مع الذين امنوا معه (( قالوا أنؤمن لك وتبعك الأرذلون ))(( وقالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ))،وهذا دليل على صبره ،على قومه،وتحمله تكاليف الدعوة لهم .
وعندما وصلت دعوته لهم الى طريق مسدود، وبعد أن أيقن ،أنه لا فائدة من دعوتهم ، دعا عليهم فستجاب الله له فيهم لأنه قد تجاوز مرحلة الصبر معهم ،كما أمره ربه ،فكان الامر له بصنع السفينة ،لتكون نجاته بها ،هو ومن معه، وعندما كانت السفينة ،تضطرب بنوح ومن معه بين الأمواج ، فقد ابنه فلم يجده،
فبحث عنه وناده ، يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين .
لكن ابنه اختار أن يكون مع الكافرين ،
وصنع له صندوقا من زجاج كما قيل ،
وقال أنه سيأوي الى الجبل ،
وسوف يعتصم به من الماء ،
فكانت محطة ثانية ،يختبر فيها نوح ،في صبره ،لكنه تجاوزها بنجاح .
مظهرا نعمة ربه عليه ، لاهجًا بذكره مثنيًا عليه ممتثل لأمره ( فكذبوه فنجناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا باياتنا،فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) ـــ يونس ـــ
فكانت النتيجة أن أنجاه الله ومن معه وجعلهم خلائف ،في الارض جزاء للصبر والشكر .
ثم امتن الله عليه بأكثر من ذلك ،جزاء لصبره وشكره فجعل ذريته ،هم الباقين على الارض وليس غيرهم ،قال تعالى :( وجعلنا ذريته هم الباقين ) ثم
جعل ذكره في الامم اللاحقة ( وتركنا عليه في الاخرين ) ،
ثم سلم عليه ،سلام سلام بين كل الخلائق ،الى يوم القيامة ( سلام على نوح في العالمين )
الصافات ـــ
تعليقات
إرسال تعليق