ملخص كتاب الشيخ الجليل عمر المختار

 



ملخص كتاب الشيخ الجليل عمر المختار
نشأته  أعماله استشهاده

د / علي محمد الصلابي. 

بقلم سميرة النجار

    يُعدُّ (عمر المختار ) أحد أعظم المجاهدين و القادة في العصر الحديث؛ حيث أبهر القادة الذين تخرَّجوا من الكليات العسكرية، و يملكون كلَّ التجهيزات و المعدَّات الحديثة، بل و هزمهم هو و إخوانه المجاهدون، و هو لم يملك إلَّا بندقيته، حتَّى شهد له أعداؤه بالشجاعة و القوة و الدهاء. 
   و يُعدُّ (المختار ) مثالاً و قدوةً للشباب و الشيوخ على حدٍّ سواء، في البسالة و الدفاع عن دينه و وطنه.

ولد الشيخ الجليل (عمر المختار ) من أبوين صالحين عام 1862، و قيل 1858، و كان والده (مختار بن عمر) من قبيلة (المنفة) من بيت (فرحات)، و كان مولده بـ (البطنان) في الجبل الأخضر. تُوفِّي والده في رحلته إلى (مكة) لأداء فريضة الحج؛ فعهد و هو في المرض إلى رفيقه (حسين الغرياني ) بأن يبلّغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه: (عمر ) و (محمد ). وتولى الشيخ (حسين الغرياني ) رعايتهما محقِّقاً رغبة والدهما؛ فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم أَلْحَقَ (عمر المختار ) بالمعهد الجغبوني؛ لينضمَّّ إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان و القبائل الأخرى. و ظهر منه النبوغ منذ صباه؛ ممَّا جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوني الذي كان منارة للعلم، و ملتقى للعلماء، و الفقهاء و الأدباء و المربين الذين كانوا يُشرفون على تربية و تعليم، و إعداد المتفوِّقين من أبناء المسلمين؛ ليعدوهم لحمل رسالة الإسلام الخالدة، ثم يرسلونهم بعد سنين عديدة من العلم و التربية إلى مواطن القبائل في (ليبيا) و (إفريقيا)؛ لتعليم الناس، و تربيتهم على مبادئ الإسلام و تعاليمه الرفيعة. و قد مكث في هذا المعهد ثمانية أعوام ينهل من مختلف العلوم الشرعية، وكان مشهوداً له من معلّميه بالذكاء و الفطنة منذ شبابه.

   كان (عمر المختار) متوسط القامة يميل إلى الطول قليلًا، و لم يكن بالبدين الممتلئ و لا بالنحيف الفارغ، رصين المنطق، صريح العبارة، لا يُمَلُّ حديثه، متَّزن في كلامه، كثيف اللحية، تبدو عليه صفات الوقار و الجدية في العمل، و التعقُّل في الكلام و الثبات على المبدأ. و قد أخذت هذه الصفات تتقدَّم معه بتقدُّم السنِّ. كان (عمر المختار) شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، و كان يقرأ القرآن يومياً؛ فيختم المصحف كلَّ سبعة أيام. 

   إنَّ المحافظة على تلاوة القرآن و التعبُّد به تدلُّ على قوة الإيمان، و تعمّقه في النفس؛ و بسبب هذا الإيمان الذي تحلَّى به (عمر المختار )، انبثق عنه صفات جميلة: كالأمانة و الشجاعة، و الصدق و محاربة الظلم؛ فهذا المجاهد (محمود الجهمي) -الذي حارب تحت قيادة (عمر ) وصاحَبَه كثيراً - يذكر في مذكِّراته أنه كان يأكل معه و ينام معه في مكان واحد و يقول: "لم أشهد قطُّ أنه نام لغاية الصبح، فكان ينام ساعتين أو ثلاثًا على أكثر تقدير، و يبقى صاحياً يتلو القرآن الكريم، وغالباً ما يتناول الإبريق و يتوضأ بعد منتصف الليل و يعود إلى تلاوة القرآن، لقد كان على خُلُق عظيم يتميَّز بميزات التقوى و الورع، و يتحلَّى بصفات المجاهدين الأبرار ". و قد كان - رحمه الله - شجاعاً لا يقبل الهوان حتَّى في صِغار الأمور.

تَفَوَّق (عمر المختار ) على أقرانه بصفات عدة منها: متانة الخلق، و رجاحة العقل، و حب الدعوة، و وصل أمره إلى الزعيم الثاني للحركة السنوسية (محمد المهدي) فقدّمه على غيره، و اصطحبه معه في رحلته الشهيرة من (الجعبوب ) إلى (الكفرة ) عام 1895. و في عام 1897، أصدر (محمد المهدي ) قراراً بتعيين (عمر المختار ) شيخاً لزاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج. و كانت هذه الزاوية في أرض قبيلة (العبيد ) التي عرفت بقوة الشكيمة، و صعوبة المطاوعة، فوفّقه الله في سياسة هذه القبيلة، و نجح في قيادتها بفضل الله. و عندما زحف الاستعمار الفرنسي على مراكز الحركة السنوسية في (تشاد)، نظَّمت الحركة السنوسية نفسها و أعدَّت للجهاد عدَّتها، و اختارت من القادة مَنْ هم أولى بهذا العمل الجليل، فكان (عمر المختار) منهم؛ فقاوم الاستعمار الفرنسي مع الحركة السنوسية في (تشاد)، و بذل ما في وسعه حتى لفت الأنظار إلى حَزمه و فِراسته و بُعد نظره و حُسْن قيادته؛ فقال عنه (محمد المهدي ): "لو كان لدينا عشرة مثل (المختار) لاكتفينا".

وفي عام 1906، رجع (المختار) بأمر من القيادة السنوسية إلى الجبل الأخضر ليستأنف عمله في زاوية (القصور)، و لكنَّ ذلك لم يستمر طويلاً؛ فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية و البريطانيين في منطقة (البردي) و (مساعد) و (السلّوم) على الحدود المصرية الليبية. و لقد شهد عام 1908 أشد المعارك ضراوةً و انتهت بضمِّ (السلوم) إلى الأراضي المصرية تحت ضغوط (بريطانيا) على الدولة العثمانية. و عاد الشيخ (عمر المختار) إلى زاوية (القصور) مرة أخرى. و عندما اندلعت الحرب الليبية الإيطالية عام 1911، كان (المختار) وقتها بواحة (جالو)؛ فذهب مسرعاً إلى زاوية (القصور)، و أمر بتجنيد كلِّ من كان صالحاً للجهاد من قبيلة (العبيد ) التابعة لزاوية (القصور )؛ فاستجابوا لندائه، و أحضروا ما يحتاجونه، و حضر أكثر من ألف مقاتل، و كان عيد الأضحى من نفس السنة الهجرية على الأبواب، و لم ينتظر (المختار) عند أهله حتَّى يشاركهم فرحة العيد؛ فتحرَّك بجنده و قضوا يوم العيد في الطريق و واصلوا السير حتى وصلوا بنينة و التحموا بمعسكر المجاهدين و شرعوا في مهاجمة العدو ليلا و نهارا. 
  سافر المختار في مارس 1923 إلى (مصر)، و استطاع (المختار) اجتياز الحدود المصرية و مقابلة السيِّد (إدريس) بـ (مصر الجديدة)، و كان المختار شديد الولاء للسنوسية و شيوخها و زعمائها.

ناقش عمر المختار مع الأمير محمد بن إدريس قضية الجهاد و اتفقوا على أن يبقى الأمير في مصر لتولى الجانب السياسي الذي يتولى أمور النازحين و يحشد الدعم للمجاهدين من خلال الضغط على الانجليز و الحكومة المصرية للسماح للمجاهدين باللجوء الى مصر بالإضافة الى دعم المجاهدين بالمؤن و السلاح و الذخائر بينما يتولى عمر المختار قيادة المجاهدين في ليبيا كما ناقش الأمير مع المختار الخطط العسكرية و تشكيل المعسكرات و اختيار القادة.
عاد المختار الى برقة و حاول الايطاليين  محاصرته في طريق العودة الا انه انتصر عليهم في معركة بئر الغبي. و أثناء ذلك اشتبك رفاقه المجاهدون مع المحتلين في معركتين انتصر فيها المجاهدون انتصارا ساحقا الا أن ايطاليا حشدت قواتها و استطاعت احتلال مواقع المجاهدين بعد معارك عنيفة
 سهلت عليهم احتلال مدينة اجدابيا سنة 1923م.

حاول الإيطاليون إغراء (المختار) بالمال، كي يترك الجهاد ضدهم، إلَّا أن (المختار) كان يعتقد اعتقاداً راسخاً أن ما كان يقوم به من جهاد إنما هو فرض يؤديه و واجب ديني لابدَّ منه، فكان يقول: "اللهمَّ اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة ". و عندما عُرِض عليه أن يترك الجهاد، و يسافر إلى الحج قال: "لن أذهب و لن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربِّي، و أن ثواب الحج لا يفوق ثواب دفاعنا عن الوطن و الدين و العقيدة.
 
استمر الجهاد شاقا دون هوادة لمدة ثمانية أعوام خاض خلالها المختار حرب كر و فر و دار المعارك بحنكة و ذكاء مستفيدا من دعم القبائل و انضمام افرادها تباعا الى المجاهدين.

اتخذ المختار من الجبل الأخضر مقرا لقواته التي كانت تتكون من ثلاثة معسكرات منها ينطلق المجاهدون لشن الهجمات على العدو في معاقله و أحيانا يصدون زحفه عليهم.
انتصر المجاهدون في معارك عديدة و عرقلوا احتلال المدن الا أن الطليان كثفوا من محاولاتهم رغم انهزامهم في الكثير من المعارك و لكنهم زادو من حشودهم و عتادهم و بذلوا أموالاً طائلة لزعماء القبائل  فنجحوا في تحييد الكثير منهم و اخراجهم من صفوف المجاهدين.

و تمكنوا من احتلال المدن و الواحات حتى أصبح المختار و رفاقة معزولون في الجبل الأخضر، لكنهم لم يتوقفوا عن شن الهجمات بل واصلوها و حققوا انتصارات رائعة أشهرها معركة يوم الرحيبة ٢٨ مارس 1927م.
و عندما أراد الطليان الانتقام لهزيمتهم جمعو جيش كبير يضم الجنود الطليان و المقاتلين المرتزقة و العملاء الليبيين و قامت بحصار المجاهدين في العقيرة لكن المجاهدين اشتبكوا معهم في معركة كبرى شارك فيها المختار و كلف  المجاهد حسين الجويفي بقيادة المعركة التي سميت بمعركة أم الشفاتير و فيها انتصر المجاهدون و انسحبت القوات الايطالية بعد خسائر كبيرة رغم امكانياتهم و رغم مشاركة الطيران.
في هذه المعركة سقط الكثير من الشهداء و كان منهم والد زوجة عمر المختار.
اضطر الطليان الى تغيير استراتيجيتهم العسكرية و التوجه للمفاضاوت من أجل كسب الوقت و شق طرق للجبل الاخضر من أجل شن هجوم كاسح يقضي على المقاومة نهائيا.
استجاب المختار لطلب التفاوض و دخل معهم في مفاوضات متتابعة، قدم فيها الطليان عروضا بعودة السنوسيين و ارجاع اموال الاسرة الحاكمة و احترام الزوايا و دفع مرتبات شيوخها كما قدمت عرضا بمنع الصرائب و اشترطوا ان يسلم المجاهدون اسلحتهم و يتم ادماجهم في منظمات تحت اشراف الحكومة، الا ان المختار رفض شرط تسليم الأسلحة و أصر على منح سلطة لحسن الرضا و تكون للحكومة مهمة اشرافية فقط. لم تؤدي المفاوضات الى نتيجة بل استفرد الطليان بحسن الرضا و قتلوا الكثير ممن كان معه و اقتادوه اسيرا في ١٠ يناير 1930م.

كان الجنرال غراسياني نصرانيا متعصبا يحقد على الاسلام و المسلمين، ارتكب أعمال شنيعة  للغاية في فزان و استطاع ان يخمد المقاومة فيها و لهذا تم استدعاؤه الى روما لتكريمه و تكليفه بمهام جديدة الغرض منها زيادة اخضاع الاهالي بالقوة و مراقبتهم و التضيقق على المقاومين باعتقال اهاليهم و تعذيبهم. شرع غراسياني بتنفيذ مهامه الجديدة فأنشأ ما يسمى بالمحكمة الطائرة التي كانت تعقد جلسات المحاكمة و تصدر الاحكام بسرعة و تنفذها في دقائق ثم تنتقل بالطائرة لتعقد جلسة في مكان آخر، كانت هذه المحكمة تحكم على الأهالي بالموت و مصادرة الأملاك لأدنى شبهة. ففتحت السجون و نصبت المشانق في كل قرية و مدينة. و كان المواطنين يحكم بالاعدام لأسباب تافهة.
قام غراسياني بوضع ابناء القبائل في معسكرات اعتقال جماعية جمع فيها شيوخ الزوايا الدينية و معلمي القرآن و شيوخ القبائل و كل من له صلة من أي نوع  باحد المجاهدين. فكانوا يساقون الى مراكز التعذيب و السجون دون مراعاة المرضى والمسنين و أالأطفال. جمع الطليان أكثر من ثمانين ألف من أبناء القبائل و قاموا بحرق ممتلكاتهم و مدخراتهم و عدتهم المنزلية كما احرقوا و زراعتهم و محاصيلهم و  و أبادوا حيواناتهم و اعتدوا على الأبدان و الأموال و الأعراض.
بعد ذلك استمرت المعارك بين الايطاليين و المجاهدين، أشهرها معركة كرسة و فيها استشهد الفضيل بو عمر الساعد الأيمن لعمر المختار.
تمكن الطليان بعد ذلك من احتلال واحة الكفرة فاستباحوها ٣ أيام  ارتكبوا فيها الفظائع فقتلوا كل من صادفوه من الاهالي و اغتصبوا النساء و قتلوا من دافعن عن أعراضهن.

و تبجحت الصحف الايطالية بان الجيش قبض على ٢٠٠ امرأة من زوجات شيوخ القبائل.
كان للأمير شكيب ارسلان دورا فاعلا في تفعيل الصحافة الاسلامية لكشف جرائم الايطاليين في ليبيا و دحض ادعاءاتهم و أكاذيبهم التي كانوا يبررون بها وحشيتهم. فكتب مقالات عدة ساهمت في تكوين تعاطف عربي و اسلامي نحو القضية الليبية. كما قامت جماعة الشبان المسلمين بصياغة بيان كي يرسل إلى جمعية الامم و يذاع في العالم الاسلامي.. وثق البيان حالات التهجير القسري و وثق للجرائم الفظيعة التي ارتكبها الطليان، منها  اغراق الليبين في البحر  و قتل الابرياء و رميهم من الطائرات و قتل العلماء و تجويع الاهالي و ترحيل الأطفال إلى ايطاليا لتنصيرهم.
ظل المختار في الجبل الأخضر يقاوم الطليان رغم الصعوبات التي كانت تحيط به، و كان من عادته الانتقال كل سنة من مركزه لزيارة مراكز الجهاد الأخرى و عندما قرر الانتقال حمل معه ٤٠ فارسا و علمت ايطاليا عن طريق جواسيسها بخروجه فداهموا كوقعهم و استطاعوا قتل معظم رفاق المختار بعد مقاومة عنيفة و تمكنوا من أسر المختار بعد أن تعثر حصانه.

تم نقل المختار الى بنغازي و قام غراسياني بقطع رحلته الى باريس و عاد الى بنغازي و دعا المحكمة الطائرة الى الانعقاد و دفعته غريزة الشماتة الي استدعاء البطل قبل المحاكمة بقليل لكن المختار مثل أمامة بعزة و رد على استفزازاته  بأسلوب قوي و منطق سليم. اقيمت المحاكمة و تم تكليف أحد الضباط الطليان اسمه الكابتن لونتانو محاميا للدفاع عن المختار. كانت المحاكمة صورية و الغرض منها اصدار الحكم بالاعدام الا أن محامي الدفاع قدم مرافعة تاريخية أظهر فيها المختار كثائر  له الحق في الدفاع عن وطنه و ان على المحكمة أن تعلم أن لا  تحاكمه كمجرم و أنها عليها أن تراعي سنه و طالب بتخفيف الحكم أثار تصرف المحامي جميع الحاضرين فتعالت الأصوات ضده. استمرت المحاكمة لمدة ساعة و ١٥ دقيقة و انتهت بصدور حكم الاعدام شنقا و تم تنفيذ الحكم في يوم ١٦ من سبتمبر 1931 م أمام حشد كبير تم جمعهم قسرا لحضور الاعدام. ودع المختار شعبه على منصة الاعدام بخطى واثقة و ابتسامة راضية و كان يردد الاذان في طريقه الى المنشقة و آخر ما نطقه كانت ايات من القرآن سمعه أقرب الموظف يتلوها  "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادتي و ادخلي جنتي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق