كتاب (جدِّد عقلك)
المؤلِّف أ.د عبد الكريم بكار
مراجعة
بقلم يحيى الشريف
يعدُّ أ.د عبد الكريم بكار أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية و الفكر الإسلامي، حيث يسعى إلى تقديم طرح مؤصَّل لمختلف القضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية و قضايا النهضة و الفكر و التربية و العمل الدعوي.
و كتاب (جدِّد عقلك) هو الكتاب الرابع للمؤلِّف في سلسلة (تنمية الشخصية). عدد صفحات الكتاب (٢٤٠) صفحة، تناول الكاتب من خلالها خمسة و عشرين مفهوماً لتحديث الذهنية. و يأتي مضمون الكتاب من منطلق أهمية توجيه المفاهيم و تغيير الأفكار باعتبارها المدخل الصحيح لبناء الشخصية الإسلامية المعاصرة القادرة على استعادة الريادة الحضارية للأمة المسلمة و تجديد مشروع الإسلام الجضاري في حياتها. و ذلك ما يسعى إليه المؤلُّف عبر خمسة و عشرين عنواناً متناولاً من خلالها أبرز المفاهيم و الأسس الفكرية لتجديد بناء العقل المسلم وفق رؤية إسلامية معاصرة تنشد تقدُّم الأمة المسلمة، و اللحاق بركب الحضارة المعاصرة على نحو لا ينفكُّ عن إطار المنهج الإسلامي بما يتضمَّنه من أسس ثابتة و مبادئ عامة و قيم أخلاقية رفيعة و نظرة سامية للحياة و الطبيعة و الإنسان ممَّا يمثِّل أصلاً راسخاً لمشروع حضاري إسلامي مُتجدِّد أصله ثابت و فروعه تعانق السماء لتؤتي أُكُلها كلَّ حين.
يبدأ المؤلِّف بعدد من الموضوعات التي تهدف إلى تجديد العقل عبر تقديم رؤية حضارية إسلامية معاصرة تنطلق من إشكاليات التقدُّم الحالي للحضارة الغربية المعاصرة بما يتولَّد عنه من فراغ روحي و خواء أخلاقي نتيجة لإغراقها المفرط في الجانب المادي؛ و ذلك حتَّى يصبح للحياة معناها الذي يحقِّق جوهرها بالنظر إلى الإبداع الإنساني و الإنجازات البشرية من منظور يربطها بالغايات السامية و المقاصد الأخلاقية و بما يحقِّق انسجام الإنسان مع الكون، و لا يفصل العمل الدنيوي عن المعاد الأخروي. و من هذا المنطلق فإنَّ التحضُّر يُنظر إليه من خلال شواهده الإنسانية و مقاصده الأخلاقية، و النمو المادي ليس هدفاً في حدِّ ذاته بمعزل عن الغاية الأسمى للحياة و الوجود. و في ظلِّ طغيان القيم المادية للعولمة و التغيُّرات المتسارعة المصاحبة للتطوُّر التقني يبيِّن المؤلِّف ما يتطلَّبه ذلك من ضرورة السعي لإعادة تحرير الإنسان من هيمنة المفاهيم المادية و سيطرة المظاهر الدنيوية و سيادة المصالح الذاتية. و يتناول الكاتب مفهوم التغيير على أنه من أجل التحسين و ليس من أجل التغيير فحسب.
ثمَّ يمضي المؤلِّف نحو تجديد العقل المسلم عبر تناوله لعدد من المفاهيم و الأفكار الضرورية في سبيل التخلِّي عن بعض موروثات العقل التي تشكِّل عائقاً أمام انطلاقته الحضارية، و يضع النقاط على الحروف فيما يتعلَّق بأبرز المفاهيم و الرؤى التي تمثِّل شرطاً للنهضة و التقدُّم. و من أبرز ما تناوله الكاتب في هذا السياق: التركيز في تشخيص عوامل تخلُّفنا الحضاري على تحليل البنى الداخلية للأمة، ربط عظمة الأشخاص بتجلّياتها في واقع الحياة، العمل على تجديد النماذج بما يتلاءم مع تطوُّرات الحياة و الظروف و الموارد المتاحة، السعي الجاد لخدمة الحقيقة عبر وسائط و أدوات منهحية، ضرورة الانفتاح الواعي على الواقع و الآخر، العمل على مقاومة الإخفاقات، السعي لتقويم الذات، الارتفاء بلغة الخطاب، إدراك أهمية التعدُّد باعتباره مصدر قوة و ثراء، و الخروج من دائرة الثقافة التي تعمل على تكريس العجز و الجمود.
و هذه عبارات من أقوال المؤلِّف في الكتاب :
• لن يحدث تقدُّم حقيقي مُعتبَر إلَّا إذا سيطر عالم المُثل و القيم على عالم الرغبة و الشهوة و المنفعة.
ص ٦٩
• يجب أن يكون هدفنا الدائم هو تحرير الذات من الجهل و الخرافة و العبودية و من قيود الحاجة و الضرورة و ويلات التشتُّت و التمزُّق . ص ٩٨
• في زمان الجور و المادة لا يكون البقاء للأصلح و إنَّما للأنجح، و المطلوب من مسلم اليوم أن يكون الأصلح و الأنجح . ص ٢٠٨
و يمكن القول عن هذا الكتاب إنَّه كتاب خصب للفكر بقدر ما هو كتاب للتنمية البشرية في آن واحد. و بما أنَّ تغيير الأفكار و بلوة المفاهيم الضرورية نحو حياة أفضل هو المحرِّك الإساسي لتغيير السلوك و توجيه الإنسان للسير في طريق الحياة القويم، فإنَّ ذلك ما يريده الكاتب عبر تجديد اللبنات الأساسية للعقل المسلم المعاصر و تنويره في سبيل بناء شخصية المسلم المتوازنة التي ينبغي أن تسعى للمعاصرة و هي واعية بمتطلبات العصر و شروط النهضة و أسباب التقدُّم دون أن تتجرَّد من هويتها أو تنفكَّ عن أصالتها الإسلامية.
و يمتاز الكتاب بسلاسة أسلوب كاتبه و حرصه على تبسيط الأفكار و تقريب المفاهيم بما يناسب القارئ المثقَّف و العادي و يساعد على إيصال الرسالة التنويرية لأكبر قدر من القرَّاء. و حبّذا لو أنَّ المؤلِّف عمل على إثراء بعض الأفكار و تعميق بعض المفاهيم بشواهد من نصوص الهدي القرآني و السُّنة النبوية.
ختاماً نقول إنَّ الكتاب جديرٌ بقراءته و الاستفادة من جهد مؤلِّفه على درب تجديد عقلنا المسلم و تنويره بما من شأنه أن يسهم في تنمية الشخصية المسلمة على نحو يجمع بين الرؤية الإسلامية و المفاهيم الحديثة و المعاصرة. عسى أن تضع الأمة المسلمة بذلك أقدامها على بداية الطريق الصحيح للنهوض و تعمل على تحقيق الرقي الحضاري المنشود من جديد كأمَّة يَجدر بها أن تظلَّ «خير أمَّة أُخرجِت للناس».