مراجعة كتاب شروط النهضة لمالك بن نبى







بقلم / أبو مازن 
 
 يعتبر مالك بن نبى الجزائرى( ١٩٠٥/١٩٧٣م ) أحد أعلام الفكر الإسلامى و صاحب شعلة تنويرية و رؤية فلسفية و عاطفة أصيلة قدحت زناد فكره و دفعته الى تبنِّى مشكلة الحضارة و التركيز على عوامل النهضة؛ فجاء كتابه شروط النهضة و الذى يقع  فى بابين رئسيين، الباب الأول : تحدَّث فيه المؤلِّف عن الحاضر و التاريخ و دور الأبطال و ملاحم الطموح و التماس المجد و نداء العقيدة و دور السياسة و أهمية الفكرة كعامل اجتماعى لتغيير الأوضاع العالمية. و يشير إلى دور جمال الدين الأفغانى في التمهيد للنهضة الحديثة، و دور حركة الإصلاح الجزائرية، و كذا دور وثنية الزوايا الدينية في المعارك الانتخابية في الجزائر لتمكين أذناب المحتل .
   و يتناول في بابه الثانى المستقبل و دورة التاريخ، و أين مكاننا منها ؟ ومن أين نبدأ؟ و ما هى الحلول و المناهج التى ينبغي أن نسير عليها؟ و ضرورة تفعيل عوامل الحضارة (الإنسان -- التراب -- الزمن) مع التشبُّع بالفكرة الدينية لترويض الغرائز و إطلاق الروح و تعديل السلوك لإنجاز الرسالة الحضارية . و أوضح المؤلِّف أهمية تفعيل دور الإنسان كرافعة للحضارة المنشودة و النهضة المفقودة، و ذلك بتوجيهه التوجيه الأمثل فى:  محاور (الثقافة -- العمل -- رأس المال)، فالثقافة _ و التى هى المحيط الذي يتأثَّر به الإنسان و يتحرَّك بداخله _ تحتاج إلى تنقيتها من رواسب الماضى و الاتِّصال بمقتضيات المستقبل، و العمل على تفعيل عناصر الثقافة التربوية الجوهرية (الأخلاق -- الجمال -- العمل و النشاط -- الفنِّ التطبيقى) . 
   و يؤكِّد على ضرورة العمل لتأليف كلِّ جهد من أجل تغيير وضع الإنسان و تحسين بيئته . و أهمية رأس المال، و ذلك بتوسيع مجاله الاجتماعى عن نطاق الفرد و احتياجاته إلى الجماعة الإنسانية .
   و يرى أنَّ الأرض تعلو قيمتها و تنخفض بحضارة من يعيشون عليها، و أنَّ قيمة الزمن تتمثَّل في التأثير و الإنتاج .
 و اختتم ابن نبى كتابه القيم بالحديث عن الاستعمار و الشعوب المستعمرة، و يَعتبر الاستعمار من الوجهة التاريخية نكسة إنسانية . و يتحدَّث عن الإنسان باعتباره دعامة التغيير، فإذا غيَّر نفسه سيغيِّر التاريخ، و أن الحضارة جوهر ينتظم كلُّ مكوناتها و أفكارها و روحها و مظهرها في كيان متماسك .
   و إن كان الكتاب قد غلب عليه نزعة الفلسفة و ظلال علم الاجتماع، إلَّا إنه يتضمَّن فكرة قيِّمة مشتعلة لحضارة مرجوَّة . و الكتاب جدير بتبنِّى أفكاره و تفعيل طروحاته لتحويل الأفكار   إلى خطط عملية فاعلة و مؤثِّرة؛ و ذلك من أجل تغيير واقعنا من خلال تحديد أهدافنا العامة و المرحلية بدقَّة، و تفعيل الوسائل العملية المحقِّقة لها بعناية و إعداد الاحتياجات البشرية و المادية المطلوبة و مراعاة الفترة الزمنية اللازمة للإنجاز الحضاري مع الاهتمام بالمتابعة الواعية و التحفيز الدائم و التقويم المستمر و حلِّ المشكلات بمرونة؛ و عندها سنري نهضة أمَّتنا واقعاً لا خيالاً في ظلِّ الحضارة الإسلامية التي يفترض أن تنير بإشعاعاتها جنبات العالم المعاصر .

بعض نقاط القوة في الكتاب :
    ****************
١ -- المنطق التحليلى.
٢ -- مشروع الحضارة عند مالك شمولى.
٣ -- البحث فى جوهر المشكلة و أصل الداء لا عوارضه .
٤ -- الاستفادة من الحضارات الأخرى دون استنساخها .
٥ -- الربط بين الفكرة الدينية و الحضارة .
٦ -- توسيع مفهوم الثقافة فى فكر مالك .

● بعض نقاط الضعف :
*******************
١ -- النظرة المثالية بما يجب أن يكون دون النظر الى المُتاح و المُمكِن (الواقعية) .
٢ -- نقض وتهميش الدور البطولى .
٣ -- تغليب مسؤولية الفرد فى بقاء الاستعمار فى مفهوم ابن نبى (القابلية للاستعمار) .
٤ -- النقد اللاذع ( صوفية - سياسيين -- جمعية الإصلاح.. الخ) و مرور الكرام على الكمالية و أتاتورك .

● طريقة السرد :
*************
غلب عليها الأسلوب الفلسفى و الخلفية الإجتماعية و ظروف النشأة و ظلال الاستعمار و تلمُّس طريق الخلاص .

● قراءة الكتاب :
****************
أنصح بقراءة الكتاب قراءة عميقة فى  :
١ -- صالونات فكرية .
٢ -- حلقات نقاشية .
 و ليس قراءة عامة فحسب .

التقييم ث:
***********
   4/5
 أبو مازن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق