مراجعة كتاب صندوق النقد الدولي






مراجعة كتاب
صندوق النقد الدولي

بقلم / حسام أحمد

هو كتاب للألماني  أرنست فولف أستاذ الفلسفة في جامعة بريتوريا،  يسعى في كتابه هذا للإجابة على عُدة تساؤلات تتعلق بتاريخ الصندوق وتأثيره وكيف أستطاع أن يواصل نشاطه بلا عقوبات؟ وبمساندة أي قوى؟ ولمصلحة من؟ ومن هو الطرف المستفيد من إجراءاته؟


"هذا الكتاب هدية لبني البشر في أفريقيا وأسيا وجنوب أمريكا, الذين لا يستطيعون قراءته, لأن سياسة صندوق النقد الدولي قد حرمتهم من الالتحاق بالمدارس." بهذه الكلمات استهل بها المؤلف كتابنا الذي نتناوله هنا، وما اقواها من رسالة يبعث بها أولا في بريد القراء،  يجعل من التفاتتهم للتفاصيل التي يحتويها الكتاب تحكي من أين له بكذا فرضية وتعكس ما نحياه واقعاً. 


تحدث في بداية الكتاب عن الظروف التي أدت وصاحبت نشأة وتكوين صندوق النقد الدولي والنظام العالمي الرأسمالي الجديد،  ابتداء بمؤتمر بريتون وودز وبداية الابتزاز،  وذلك عندما كانت الحرب العالمية الثانية تدور رحاها في العالم. ففي عام 

(1944) استضافت الولايات المتحدة الأمريكية وفود (44) دولة من أجل مناقشة تأسيس وصياغة نظام اقتصادي جديد لمعالجة الاختلالات والحيلولة دون تكرار الأخطاء التي تخللت عقود ما بين الحربين العالميتين من حيث معدلات التضخم العالية،  وتبني المعوقات التجارية وطفرات اسعار النقد الاجنبي وتراجع النظام الاقتصادي بأكثر من 60%. كما أشار لموقف الوفد البريطاني من الوضع أنداك والطريقة التي بها تم إجبار بريطانيا المنهكة اقتصاديا من الحرب على الموافقة على التغيرات الجديدة.

ثم يستعرض المؤلف بعض نقاط الازدهار الذي أعقب الحرب العالمية الثانية وكيف تمدد الصندوق ورسم معالم طريقه وفق المعطيات الجديدة. يواصل بعدها المؤلف سرد تجارب الصندوق مع بعض الدول منها (التجربة التشيلية و الأرجنتين وغيرها من دول أمريكا الجنوبية وأروبا) والظروف التي اضطرتها للجوء لصندوق النقد والنتائج التي حظيت بها. وكيف تمكن الصندوق من فرض سطوته على اقتصاديات الدول والخطوات التي اتبعها في كل دولة. 

وفي هذه الأثناء لا ينسى أرنست (المؤلف) التعرج على كيف يقوم الصندوق بتحديث سياساته كبرنامج التكيف الهيكلي ومنهجيات الصندوق الجديدة. في هذه التجارب وفي اثنائها يتحول الصندوق الى لاعب دولي لإدارة الأزمات ويصبح القبلة الاولى للدول عند وقوعها في  الازمات.

لم يفوت المؤلف ان يتطرق الى الدور الذى لعبه الصندوق للإجهاز على الاتحاد السوفيتي وكيف انتهى الامر بتفكيكه وانتصار الرأسمالية العالمية على التكتل الشيوعي الشرقي, يمر بعدها الى الحرب التي دارت في يوغسلافيا وانتهت أيضا بتفكيكها وما صاحبها من تدخلات للصندوق جعلت من الانفصال خيارا اساسيا للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والحرب.

تناول ايضا شرحاً لأسباب الأزمة الاقتصادية التي حلت في العامين 2007 – 2008 وكيف استعد الصندوق لما بعد الأزمة واقتناصه الفرص والانتقال الى درجات أقوى من التحكم والتسخير لمصالحه. 

الكتاب سرد وقائع وربط للأحداث والظروف التي عاشتها كثير من الدول نتيجة لتدخل الصندوق وأليات الإستقرار الاقتصادي التي تبناها وما انتهى به الأمر فيها بعد تجارب الصندوق واوضح كيف أن تذمر الجماهير الذي يختمر يوما بعد يوم تحت ركام ورماد كوراث الصندوق سينفجر يوما ما،  بعد أن تحملت جهداً متراكماً وعبئاً مثقلاً من تبعات مضاربات النظام الرأسمالي العالمي الذي تتفاقم أزماتُه يوما بعد يوم.

ربما مارس بعض التحيز في استقراء تجارب الصندوق،  ومن أبرز هذا التحيز عندما تحدث عن تجربة جنوب أفريقيا ومانديلا. واصفاً مانديلا انه نتاج لصناعة التغيير المرسوم لا الانتفاضة  والتي دفع مانديلا سنيناً من حياته لأجلها. وهو عندما مارس هذا النقد تحدث عن نتائج للتغيير من وجهة نظره ولم يلحظ او تجاوز حجم التحول الذي وإن وصفه بالظاهري لكنه أكسب الأغلبية من السود حقوقا لم تكن لهم في السابق وهو انتصار تحقق ويعيشون نتائجه الآن.

وختاما نقول ان المؤلف يبدو أنه تحيز بصورة واضحة في طرحه أيضا في تناول تجارب الصندوق وبين كل التجارب التي ذكرها وتطرق لها لم يحدث أن أوعز بنتائج إيجابية قد تتحقق من هكذا وضعية على المدى البعيد، برغم ان لبعض الدول تجارب مع صندوق النقد تحقق منها يعض النجاحات ومنها كوريا الجنوبية وتركيا وهي تجارب تستحق الدراسة حتى وإن كان للنجاح أسباب أخرى مساندة ... وهو الأمر الذي أيضا قد يدفعنا للتساؤل كيف مرت كل هذه العقود والصندوق بلا نتيجة إيجابية يستند عليها، اليس لصندوق النقد الدولي تجربة تستحق الإشادة  تجعل من برامجه الاقتصادية اكثر قبولا وتحفيزا للمقترضين ؟

تقييم الكتاب  3/5

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق